- mwaffahajjar
شام FM

أنا بالقطار، الناس مكتظة هنا، بالكادِ أكتب. كلّنا ذاهبون إلى العمل، البعض يقرأ الأخبار في هاتفه، البعض نائم وقوفاً.
قلت لسبوتيفاي، غنِّ لي، فبدأ لي بموسيقا كلاسيكية بعنوان "الخروج" أشعر أن القطار سيقفز في بحرٍ بعد ثوان بسبب سريالية الموسيقا فأقول لسبوتيفاي: غيّر.
كان أبي يكره جداً كيف أغيّر صباحاً بين الإذاعات التي تبث جميعاً صوت فيروز، لكني كنت أترصد شيئاً آخر، صوتاً آخر. كان أبي يقول لن تسمع أغنية كاملة بحياتك. لايعرف أني أستمع اليوم لـ٣ ساعات متواصلة من الموسيقا يومياً.
في المرحلة الثانوية ومن شرفتي الصغيرة المشمسة دوماً في خيالي، حيث تركت ١٠ عصافير ميتة، ياسمينة كبيرة و عراتلية كبيرة، ٣ سجادات، ريحانة و ورد جوري، وتشكلس لطيفة. كنت أخرج صبحاً إلى الشرفة مستمعاً لفيروز التي كانت تغني كل يوم لي عن طريق النحل، منتظراً صوتها، صوت الستّ "هيام" لتقول من شام FM: صباح الخير سوريا.
شام FM، لا أستطيع حتى أن أقول اسم هذه الإذاعة دون أن أسمع بحة صوتها الدافئ، وأناقة لفظها اللبق، هيام التي قالت صباح الخير ملايين المرات، هيام التي كنت أنتظرها كل يوم لا فيروز.
في الجامعة و بغربتي المصغرة عن دمشق في حمص، كنت أعاني أحياناً كي أجد شام FM، لكني كلما وجدتها شعرت أني مع أمي في السيارة وحدنا على طريق مشروع دمر، أمي التي كانت تقول (تقبرني أنت وذوقك). والآن هنا في استراحة الغداء، أسرق ذهني أحيانا و أعود إلى دمشق، أقول إنها الثامنة هناك، أبحث عن شام FM على جوجل و أستمع لهم مجدداً، فأرى أمي توزع السكاكر الصباحية لأبي و أخي، أخي يطالب أبي أن يسرع قبل أن يتأخر فهو دقيق بمواعيده، وأبي صامت.
أحب كيف كانت "صباح الخير" مفردة تجول سيارات دمشق يومياً أحب كيف كانت هيام تقتنصها، كما مثلاً حين تقول فيروز "إذا رجعت بجن وإن تركتك ببقى..لا قدرانة فل ولا قدرانة ابقى.." تدخل "هيام" مقتنصةً ثانيةَ الصَّمت وتقول (صباح الخير مزة شيخ سعد)، فتعتصر قلبي وذاكرتي. تقول أمي (على مين بدا تصبّح هلق يا حزرك؟) أقول (يارب تصبّح ع قدسيا)، فتقول هيام (صباح الخير شارع بغداد).
حين اشتدّ القصف في قدسيا، فقدت كلَّ رغبةٍ بالاستماع لشام FM، كنت أكثر حزناً من أن أسمع "صباح الخير" التي تقولها "هيام"، وبعد شهر من الحصار ومحاولات الخروج المتكررة التي باءت بالفشل دوماً خرجنا من قدسيا.
لم ينقضِ كثيرٌ من الزمن حين كنت وأمي في السيارة صباحاً ذاهبين كي نشتري بعض الحاجيات لي قبل السفر، حين قالت هيام، صباح الخير .... قدسيا. فبكيت.
صباح الخير سوريا، صباح الخير يا شام، صباح الخير مزة أتستراد، مزة شيخ سعد، صباح الخير قاسيون، صباح الخير قدسيا ودُمَّر والمشروع والهامة وطريق الصفصاف، جسر الرئيس والحمرا وموقف نورا وشارع البرازيل وشارع بغداد. صباح الخير باب توما وباب شرقي والمسكيّة وسوق الألعاب وباب صغير والتربة، صباح الخير مساكن برزة والشيخ محي الدّين، الميسات والمزرعة والطلياني، صباح الخير داريّا، وطريق الصبارة، جديدة ومعضميّة وخان الشيح، صباح الخير كفرسوسة واللّوان، صباح الخير ساحة الأمويين والمالكي وأبو رمانة وساحة المطاعم. صباح الخير شام FM و"هيام". وكلّ من هم بسياراتهم على الطريق بين ساحة الأمويين وجسر الرئيس.
كوالالمبور- ٢٠١٩